الثلاثاء، 9 فبراير 2010

خيانة حبيبة ووفاء كلب...


الساعة تجاوزت منتصف الليل ببعض الدقائق وكنت منهمكا في قراءة كتاب لأحلام مستغانمي, وكنت احاول جاهدا جمع شتات تركيزي الذي يهرب مني من بين الورق للتفكير في قدرة هذه المرأة على الكتابة, "فذاكرة جسد" برغم ما كنا نعارض فيه الا انه يبقى كتابا من الحجم الثقيل... وبين مدي وجزري, رن هاتفي, وقليل هم من يعرفون بأنني اواصل ارقي دائما الى بعد هذا الوقت, قد يكون احدهم او نداء للعمل.. اخذت هاتفي بين يدي, فاذا هو احد اقرب اصدقائي... فتحت الخط, وقلت خير ان شاء الله, قال هل لي بان الاقيك فورا, قلت واين نلتقي؟ قال اني اكاد اختنق سنلتقي في السيارة وسنمضي في اي طريق... قلت وهل هناك طريقا لا تشوبه الجراح...
التقينا, وفي ظلمة الليل الحالك وحبات المطر الخفيف رأيت على وجه صديقي الم ووجع كالحريق, انتكس على المقعد بجانبي وكانه يحمل هموم الدنيا..
قلت: سنبحث اولا على السجائر, فلم اعتد على سفر بدون ان اداعب خصلات السيجارة واحرق احشاءها.
قال: بحي النور, هناك كشك لا يغلق ابوابه ابدا, وكان صاحبه يعشق رؤية الزبائن في كل الأوقات, او كانه لا يريد غلق ابواب "القرش"...
واصلت القيادة, وانا افكر فيما سيحدثني هذا الصديق... وكنت اعلم بان سبب هذا اللقاء سوف لن يكون الا الحديث عن امرأة... وصلنا الكشك... لم نجد سوى سجائر "المارلبورو" المهربة من الجزائر, وهي سجائر مقرة جدا للألم الذي تسببه في الحلق وللسعال المتواصل الذي تحدثه... ولكن ما من مهرب فلابد من سيجارة ترافقني... وانطلقنا في طريق فريانة ولا نعرف الى اين الوجهة بالضبط... والتفت الى صديقي,
وقلت: مالخطب أيها الصديق
قال: جرح لا يلتئم وسم زعاف تجرعته اليوم, ولست ادري ما افعل
قلت: هل تخاصمتما؟
قال: ياليت كان الذي سأسره لك خصاما, أو كان اختلافا
قلت: حدثني إذن, ولا تدع شاردة ولا واردة
قال: أحببتها بكل جنوني, وفتحت لها قلبي على مصراعيه... وانتظرتها طول الوقت ولم يكن غيرها بين ضلوعي... صارحتها بما يجيش في صدري.. وكل صباح كنت انتظر قدومها لأملأ عيني بمن اختار قلبي...
قاطعته وقلت: وهي؟
قال: أما هي فلن أنسى يوم ألقت برأسها على صدري لتقول لي كم احبك, يومها كنت كمن خلق الأرض والسماء وحكمهما بين قبضتيه...
قلت: وماذا بعد؟
قال: بعدت عني ولم اعد أراها.. وكانت بيننا بعض الرسائل, ولكن صورتها كانت رفيقي.. ومن الم فراقها أدمنت الوحدة والسجائر.. ولم اعد أطيق حتى نفسي... كنت كل يوم أمر أمام بيتها لعلي أحظى بنظرة ولو من بعيد...
قلت: ولماذا لم تطلب لقاءها؟
قال: طلبت وتمنعت لأن والدها قد يعاقبها عقابا مرا لو رآها... وقد خشيت بان يصيبها ما لم أكن أرضاه لها.. وكيف لي بان القي برفيقة الروح إلى غضب والدها...
قلت: ولكن أين المشكل أتريد بان تلاقيها؟
قال: ليتني عشت طول عمري على أمل لقاها, دون أن اكتشف مالذي فعلته بي... لقد تعاهدنا بان نكون روحا واحدة وان لا يرحل احدنا عن الآخر... لكنها كانت تكذب علي... لقد خانتني...
قلت: "أوف"... عن أي خيانة تتحدث؟
قال: لقد كانت على علاقة مع شخص آخر, ولم تنفصل عنه ولم تنزعه من قلبها كما قالت... وأوهمتني بأنني أنا ملك روحها وقلبها عندما رأت هيامي بها... أوهمتني بأنها مهما حدث سوف لن تتخلى عني وعاهدتها على ذلك..
قلت: هل آنت متأكد مما تقول
قال: لم أكن في حياتي متأكدا مثل اليوم... فحبيبتي كانت تسخر مني طول الوقت... كانت تنام في صدر حبيبها.. وتبعث لي بالرسائل لتوهمني بوحشة لياليها وأيامها بدوني... كانت تقرا كتاباتي وخطاباتي لها ثم تمزقها سخرية من عاشق واهم.. وتكتب لي بانها معجبة بكلماتي... وحينما لا اكتب كانت تقول لي كيف لي العيش بدون كلماتك الجميلة.. فبها أحيا وبها أعيش... وهذا اليوم قد رايتها بأم عيني تحمل ذراعه بين ذراعه ورأسها ملقى على كتفه والبسمة تنير وجهها... لم يرق لي المنظر واحترقت كل التفصيل بين ضلوعي... وقد سالت احد المعارف عن هذا الشخص, فقال لي انه خطيبها, وكانت خطبتهما منذ أكثر من أربع سنوات, وحينما تفاجأت بهذه الأربع سنوات ولم أصدقها... فأوكلني هذا الصديق إلى صديق آخر وأكد لي الخبر... امرأة مخطوبة منذ أكثر أربع سنوات ووعدتني بحب خرافي؟ هل تصدق هذا؟
قلت: أنا اصدق كل شئ, ولكن متى تعرفت عليها أنت؟
قال: التقينا منذ أكثر من سنة وتحاببنا.
قلت: الذي لا أريد تصديقه هو وهمك كل هذه السنوات, فطبع المرأة الخيانة ولا وفاء لها, فالمرأة التي تفتح لها صدرك فليس لها فعل إلا أن تحرقك... لكنك يا صديقي قد أوغلت في الوهم... فلا شئ في الوجود يمنع امرأة من اختراع وسيلة ما لملاقاة حبيبها... والمرأة التي لا ترى في وجهها تلهفا على رؤية حبيبها, فهي امرأة كاذبة ومخادعة.. المرأة التي تعشق لا تبخل بأي شي... نعم يا صديقي لقد كذبت عليك وخانتك, وهذا متوقع من أي امرأة... أما بان تواصل أنت في رحلة التيه هذه إلى أين بعينك فهذا هو ما كرهته فيك..
قال: يا صديقي, حينما التقينا وتحاببنا وتواعدنا لم ادع المجال للشك وللبحث في التفاصيل... لذلك صدقتها كما يصدق النبي...
قلت: يا صديقي, المرأة تغير الرجال كما تغير فساتينها, كلما ملكت احدهم إلا ووضعته في خزانة أمتعتها وبحثت عن غيره... والمرأة يا صديقي اختراع اخترعناه نحن البشر تحت ظروف قاهرة... فهي ليست إلا كائن مجبول على الخداع والحقد والنفاق, لقد تعود الرجل على الخشونة والحروب ورأى في هذا الكائن شئ من النعومة فتخيل بان لديه كل الفضائل... وهم وهم وهم... يا صديقي أنت من خان نفسه حينما وثقت في كائن خائن بالطبع.
قال: وعلى ما تلومني, على صدق مشاعري أو على حبي الكبير.
قلت: حتى الحب يا صديقي حولته المرأة إلى سلعة رخيصة في مكب النفايات.. كلما تمر تدوسه بقدميها وتمضي... ولكني ألوم بدائية خطواتك.
قال: وما علي فعله الآن؟
قلت: لا شئ, عندما يطلع الصباح, أبدا من جديد, ابدأ واثقا لا لأنك قد غدر بك وخانوك فهذه عادة النساء, ولكن ابدأ من جديد لأنك ستلغي من حياتك كائنا جامدا مخادعا أفاقا منافقا... ابدأ لأنك جربت وتعلمت بان لا وثوق في المرأة...
قال: وكيف لي بان أعيش طول العمر وأنا مسكون بالشك؟
قلت: عش و لا تفتح كل قلبك إلى من يخونك... واجعل بصدرك منطقة لا يدخلها احد.. لك وحدك ولوالديك وأي امرأة أخرى قد تجيئك وخانتك فلن تقدر على تحطيم إلا جزء يسير منك وهكذا تبقى دائما واقفا...
بدأت أشعة الشمس تلقي بخيوطها على الكون, فقررنا العود إلى منزله... وعند وصولنا, فتح الباب الخارجي, وجدنا كلبه ملقى على الأرض وكثير من الكدمات على جسده الصغير... واقسم بأنني رأيت بعض الدمعات تسيل من عينيه... لقد جاء احد اللصوص إلى المنزل وعند محاولته السرقة منعه الكلب فما كان من السارق إلا أن انهال عليه ضربا وهرب....
ضم صاحبي كلبه إلى صدره وبكى ثم قال, أحببتها وأعطيتها كل شئ لكنها خانتني ولم تحفظني, أما أنت أيها الكلب, فلماذا خاطرت بنفسك لتحميني ممن جاء ليسرقني...
قلت له, الكلب أوفى بكثير من المرأة, فالكلب حفظك دون أن ينتظر منك شيئا, أما المرأة فكلما أعطيتها كلما زادت نسبة الخيانة في دمها... وتعلم من وفاء كلب وخيانة حبيبة.

ليست هناك تعليقات:

شريط الأخبار