الأحد، 11 مايو 2008

وعادت "مريم"

بالأمس صباحا, عدت مرضاي, وكان اغلبهم تحت التنفس الاصطناعي.. كانت أرواح تئن تحت وطأة الوهن والمرض العضال, منهم من تنبأت له بالموت في غضون 48 ساعة, وآخر بدأت في تهيئته لنزع آلة التنفس وكل أملي أن يكون قادرا على مجابهة الحياة مرة أخرى بعد تبنيج دام لثلاثة أيام متتالية... هكذا هي حياتي كل يوم, الحديث عن الموت والحياة.. والحديث عن عذابات ما بعد هذه الحياة المفترضة... حتى إن والدتي كانت تقول لي دائما " إن عملك هذا مقرف جدا" وكنت أقول لها "يا أمي, لو تعلمين ما اعلم, وما علمني هذا العمل, لتمنيت لو تعيشين يوما واحدا مما أعيش" كانت تضحك وتقول "مسكينة المرأة التي ستتزوجك.." وارد عليها "لا يا أمي, مسكين أنا حينما لا أجد المرأة التي لا تفهمني, ستكون حياتي أشبه بالموت البطئ" تضحك أمي وتقول "وعدت للحديث على الموت... دعنا من هذا"..
على كل, أكملت عيادتي لمرضاي المقيمين, ودخلت مكتبي لأحتسي قهوتي وسيجارتي المفضلة, ثم أنطلق إلى العيادة الخارجية, أعطي موافقة التبنيج للمرضى القادمون على إجراء عملية جراحية وكذلك لمراقبة المرضى الذين غادروا المستشفى ويستحقون المراقبة...
وأنا في غمرة التفكير تذكرت سؤال الغالية "عروبة" "وهل مازال يحبها؟
تصفحت دفتر المراقبة الملقى فوق مكتبي, تصفحته, نعم اليوم ستزورني "مريم"... والحقيقة إني اضطربت, "مريم" ستسألني عن عمليتها الجراحية, وطبعا عن إمكانية الحمل مرة أخرى.. ومن الصعب جدا إيجاد طريقة للإجابة عن شق سؤالها الأخير.. كان الحل الأول أن أحيلها إلى طبيب النساء ليقول لها الحقيقة... أو أن أقولها أنا.. فما حصل قد حصل.... والمؤسف أن في المستشفى الذي اعمل به لا يوجد استشاري نفسي حتى أوكل له هذه المهمة.. اقرب استشاري على بعد مسافة لا تقل عن 200 كيلو متر...
وانطلقت إلى العيادة على أساس بان أقرر و"مريم" أمامي... والأكيد بان ابحث أيضا عن الجواب لسؤال "عروبة"...
المريض الثالث كانت "مريم".. وقفت احتراما لألمها ولمأساتها القادمة... ابتسمت لأخفي حيرتي واضطرابي, وكان مرافقها زوجها... طلبت منهما الجلوس...
ونظرت إلى "مريم".. وقلت الحمد لله أنت تتعافين بشكل جيد.. بل أنت في صحة جيدة..
قالت: بفضل جهودكم يا دكتور..
قلت: حالتك كانت في شدة الخطورة... النزيف كان شرسا.. وكان لابد من التضحية في سبيل أن تبقى حياتك... نعم كان لا بد من التضحية..
لم تفهم "مريم" معنى التضحية التي اقصدها.. وكنت أجرها بالتلميح للموضوع...
قالت: نعم يا دكتور, لولا تعرضي لهذا الحادث.. لقد سقطت مباشرة من علو مترين... لولا هذا السقوط لكنت احتفظت بابني لأقدمه هدية لزوجي.. واغلي هدية...
نظرت إلى وجه زوجها فوجدته عابسا اسودا.. مملوء بالألم...
قلت: أنت الأهم وحياتك الأهم... وزوجك مادام يحبك, سيقبل بك حتى وان لم تهديه الطفل, فلن يفرط فيك ولن يتخلى عنك, وسألته أليس كذلك؟
قال وعلامات الاضطراب بادية على محياه.. طبعا طبعا...
قالت. يا دكتور, ألن ينعكس كل ما حصل لي على إنجابي القادم
وهنا حصل المحظور؟ كيف سأجيب؟ ولأول مرة أشعل سيجارة أمام مرضاي..
قلت: أليس الأهم أن تسألي ما نوع العملية الجراحية التي أجريت لك؟ وماذا فعلنا فيها بالضبط؟
قالت: بالتأكيد
سردت الحكاية من جديد.. وقلت نظرا لتمزق الرحم والنزيف الشديد.. لم نجد إلا وسيلة وحيدة لآنقاذ حياتك.. وصمت..
قالت: ما هي؟
قلت: لقد استأصلنا لك الرحم..
نظرت إلي بنظرة لم افهم معناها..
وقال: إذا أنا لم اعد امرأة.
وقفت وغادرت المكتب دون أن تزيد أي حرف...
نظر لي زوجها وقال يا دكتور إذا حكم علي القدر بان أعيش مع نصف امرأة.. لا اعرف معها طعم الأبوة...
وأضاف يا دكتور, أنا منذ سماعي بهذه الكارثة لم أذق طعم النوم.. وكل همي هو حرماني من الأبوة من المرأة التي أحببت وأحب..
قلت: قد يكفيك حبها..
لم يقل أي شئ ثم استأذنني ليلحق بمريم...
رن جوالي.. قسم الأستعجالي.. الطبيب يقول أسرع يا دكتور حادث مرور قاتل وطفل في العاشرة في غيبوبة و ينزف...
قلت له " ومريم"
قال: أي مريم, انه طفل صغير أرجوك أسرع... ركضت إلى قسم الأستعجالي.. فوجدت طفل قد تعرض إلى حادث مرور.. وانجر عن ذلك نزيف حاد في الدماغ وكسر بالعمود الفقري في الرقبة... بعد ساعة بالضبط فارق الطفل الحياة...
هيا لي بادئ الأمر بان "مريم" ربما تكون ألقت بنفسها أمام سيارة.. ولكن الحمد لله...
ربما أنا قد وجدت الإجابة عن سؤال "عروبة" "هل مازال يحبها, أي زوج مريم"... وأنت يا عروبة هل وجدت الأجابة....

وعاد الجرح

ذات حلم
كنت منفردا في وحشة الهوى
ألهو مع طيور البين المسا فره
أشكو لها جور الراحلون
والقلوب الجائره..
مددت يدي إلى الشمس
لأطفئ لهيبها..
فابتسمت..
أخفيتها في عمق شراييني
فاحترقت..
وأخذت المدى بين أصابعي
لأفتته
إلى ألف وجع..
ألقيت به في جمر حنيني..
والواجهات واقفة كما هي
وأنت لم تتغير ملامحك
وجهك هو وجهك
منذ ملايين السنين
وأنا من يطفئني
في وحشة الليل
أنا من يقتلني أو من يحييني؟
أنا من يحمل عني عبء الهوى؟
من يحررني
من سجون السلاطين؟...
كلما أودعت غيماتي للقحط
تطلع الشمس من بين عينيك
ويطل المدى من جوف الأنين
يعلو الصدى في وجه الريح
تحمله في كل منحنى
وأنا
لست ادري من يناديني...
لست ادري
لست ادري من يقتلني أو من يحييني...
***
عاد الجرح الذي رحل
وقد كنت أهديته مفاتيح الروح
وأحلام عينيك الجميلتين
وأسرجت له الحلم والقبل
وودعته في دجى الحنين
ويقيني
يذبحني من الأوردة إلى الشرايين
لو رحل الجرح فمن سيحييني؟
عاد, كأنه ما رحل
وارتمى بين الضلوع
كعاشق وجل
وبكى...

شريط الأخبار